الجمعة، 19 فبراير 2010

عبد الجبار داؤد البصري ورواد المقالة الأدبية في العراق


عبد الجبار داؤد البصري ورواد المقالة الأدبية في العراق


أ .د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل -العراق


في أيلول سنة 2002 رحل الناقد, والشاعر , والصحفي , والأديب العراقي المعروف عبد الجبار داؤود البصري .. وقد عرف الرجل , رحمه الله , بغزارة إنتاجه وطوال فترة اكثر من نصف قرن ابتدأت سنة 1947 حين بدأ بالنشر من خلال مجلة (البذرة) النجفية , لم يتوقف عن الكتابة . وقد صدرت له مجموعة كبيرة من الكتب أبرزها : طريق أبي الخصيب , شعر 1957, وبدر شاكر السياب 1966 , والقمح والعوسج 1967 , وشيء من التراث 1968 , ومقال في الشعر العراقي الحديث 1968 , ونازك الملائكة 1971 , والأدب التكاملي 1970 , وساعات بين التراث والمعاصرة 1978 , والتنمية الثقافية في العراق 1985 . كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين , الجزء الأول , بغداد 1995 فقال بأنه ناقد وباحث وشاعر , هو عبد الجبار داؤود سلمان البصري , ولد في إحدى قرى أبو الخصيب بمحافظة البصرة سنة 1930. تخرج في كلية القانون والسياسة بالجامعة المستنصرية سنة 1972 , عمل في وظائف متعددة . اشتغل أول أمره معلما ثم مديرا لمدرسة ابتدائية , لكنه هجر التعليم إلى الصحافة , ولعل من ابرز مهامه رئاسته لتحرير مجلة الأقلام (العراقية ) المعروفة , وكان ثامن رئيس تحرير لها بعد احمد شاكر شلال , واحمد مطلوب , وجميل سعيد , وخالد الشواف , وسعدي يوسف , وعامر رشيد السامرائي , وعبدا لله نيازي . وقد صدر العدد الأول منها في أيلول 1964 , وكانت مجلة فكرية عامة تصدرها (وزارة الثقافة والإرشاد) آنذاك ولا تزال حتى يومنا هذا مستمرة في الصدور . وقد أحصى له جعفر الكواز في فهارس المجلة (الأقلام) للمدة 1964-1975 , وهو العقد الأول من عمر المجلة وحدها قرابة (34) مادة منشورة . أما الدكتور صباح نوري المرزوك فقد ذكر له في معجمه ( معجم المؤلفين والكتاب العراقيين 1970-200) الصادر عن بيت الحكمة ببغداد سنة 2002 (28) كتابا منشورا فضلا عن مقالات كثيرة . ومن الكتب التي ألفها إضافة لما وردناه انفا , أنشودة الطير الذهبي (رواية) 1988 , الثقافة المحلية في العراق 1975 , وديوان المربد الشعري السادس عشر 1996 , ذكرى حبيب , وقائع مهرجان أبي تمام الذي انعقد في الموصل , 1971 ,رواد المقالة الأدبية في الأدب العراقي الحديث ,1975, السهام غير المرئية (رواية) 1983, السياب في ذاكرة السادسة 1971, الشعر العربي من مطلع 1971 لغاية آذار 1972 ,1972, الفارابي والحضارة الإنسانية 1976 , فضاء البيت الشعري 1996 , في الممارسات الإعلامية , 1976 , مكانة الفارابي في تاريخ نظرية المحاكاة في الشعر 1975, موسيقى الطين 1985 , وفوق هذا كانت للبصري إسهامات ثقافية متعددة منها على سبيل المثال إشرافه على إعادة طبع مجلة لغة العرب ( المجلد الأول 1 تموز 1911 – 12 ايار 1912) التي أصدرها الأب انستاس الكر ملي.
كان للبصري رؤية واضحة في عمله الأدبي تستند إلى مبدأين أساسيين هما : (الواقعية ) و( التكاملية) وقد كتب عنه الأستاذ الدكتور فائق مصطفى مقالة في جريدة الثورة البغدادية (العدد 10687 في 3 تشرين الأول 2002 ) يقول : (( إن البصري يعد واحدا من أقطاب الحركة النقدية التي بدأت في العراق منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي , إذ عرف بالتنظير للأدب والنقد والكتابة على وفق أسس نقدية فيها شيء من التنظيم , فقد اصدر في عام 1970 كتابا سماه ( الأدب التكاملي) دعا فيه إلى التكاملية في الأدب والنقد وحددها بقوله إن التكامل الذي يقصده هو تحقيق علاقة انسجام بين طرفين بحيث لا تنفي هذه العلاقة احدهما ولا تحول دون التردد بين طرف وآخر , فنحن في تنقل مستمر بينهما , وهذا التكامل ذو أنماط متعددة يمكن تقسيمها إلى فئتين , فئة تحقق التكامل بين الخاص والعام , وفئة تحقق التكامل بين الظاهر والباطن , فمن التكاملات التي تقع في إطار الخاص والعام , التكامل بيت الفرد والجماعة او التكامل بين ألانا والنحن , التكامل بين المحلية والإنسانية , والتكامل بين الجزء والكل . ومن التكاملات التي تقع في إطار الظاهر والباطن والتكامل بين الشعور واللا شعور , الجديد والقديم , والمبنى والمغنى , والشكل الفني والواقع المادي ثم التجسيد والتجريد . والتكامل هو الذي يضفي الطابع الفني على الأثر الأدبي .
لقد كان من ابرز ما يميز البصري انه كان معروفا بدأبه ومتابعته لكل جديد على صعيد القصة والرواية والشعر , ولم يكن يبخل في إبداء رأيه إزاء ما يقرأه سلبا أو إيجابا .. وكان مما يسم مقالاته انها كانت واضحة , ودقيقة وعميقة وجريئة وصريحة , ولذلك كانت تؤخذ مأخذ الجد وتعني أنها باتت اليوم شكل ملمحا مهما من ملامح حركة النقد الأدبي في العراق المعاصر .. ويعد كتابه ( رواد المقالة الأدبية في الأدب العراقي الحديث ) اليوم مصدرا من مصادر التاريخ الثقافي العراقي , ذلك انه يقع ضمن مشروع كبير كان المعرف منه توثيق المقالة الأدبية العراقية المعاصرة , والتعريف بروادها , شخصيته ونتاجا وفنا وقد كتبه " في ضوء نظرية الأنواع الأدبية " , وقال عنه انه نهج " في التأليف لم تألفه دراساتنا النقدية , ولم تترسخ تقاليده فيها " وكان يطمح من وراءه أن يكون , كما قال في المقدمة , " احد السهام التي توضع في مفارق الطرق صامتة متواضعة نافعة ".
وبعد ان وقف البصري طويلا عند فن المقالة باعتباره نوعا من أدب النثر الفني , وتتبع ظهوره في الأدبين الأوربي والعربي ودور الصحافة في تطوره قال أن المقالة الحديثة الأولى لإنشاء الدولة العراقية في مطلع العشرينات من القرن الماضي . وفي الثلاثينات ازدهرت المقالة ومن رحمها ولد نوع أدبي جديد سمي بـ ( المقاصة) أي ( المقال –القصة) وهو نوع أدبي يجمع بين صفات المقالة من ناحية وصفات القصة من ناحية أخرى وهو حلقة وصل بين النوعين ونجد فمازجه في كراسات ذو النون أيوب ( 1908-1988) وهو من ابرز رواد الأدب القصصي في العراق . كما تفرع عن فن المقالة الأدبية نوعان آخران احدهما فن الكتابة الساخرة , ابتداء بميخائيل تيسي في صحيفة ( كناس الشوارع) ثم خلف شوقي الداوودي صاحب جريدة شط العرب والملا عبود الكرخي في صحيفة (الكرخ) وانتهاء بنوري ثابت صاحب جريدة ( حبزبوز) الشهيرة .وثانيهما قصيدة النثر التي تأثر كتابها بأمين الريحاني وكانت صيحة في وجه القصيدة الموزونة المقفاة ونجد شواهدها في (ربيعيات) روفائيل بطي و (ثمرات) محمد بسيم الذويب.
وقد ساعدت الحياة النيابية في العراق على ايجاد نوع من المباراة الخطابية بين النواب والسلطة . وشجعت التظاهرات التي نظمت لتشييع شهداء الانتفاضات 1948, 1952 ,1956 , 1958 ,والمطالبة بالحقوق الشعبية على نمو قابليات صحفية , هذا فضلا عن ازدهار حركة إصدار المنشورات السرية والبيانات الحزبية . وقد ساعد ظهور الإذاعة في تطوير نوع من الأدب والمقالة الإذاعية ومن يدرس مقالات الصحافة منذ الأربعينات من القرن الماضي في العراق يلمس تعدد الاتجاهات السياسية والفكرية , ونمو أساليب متميزة في الكتابة . وبإعلان الثورة في 14 تموز 1958 , وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق ترسخت أقدام المقالة الأدبية , واصبح في العراق كتاب افتتاحيات من الطراز الأول . ولا يتسع المجال لتناول أسماء هؤلاء لكن لابد من التأكيد على أن الذين مارسوا الأدب والصحافة في العراق منذ بداية القرن العشرين كانوا كثيرين , وقد تعارف مؤرخو أدبنا الحديث ودارسوه على تصنيفهم حسب النشاط السائد في حياتهم وبناء على ما اشتهروا به , فالرصافي , والشبيبي ,والزهاوي , والكاظمي شعرا , وانستاس ماري الكرملي , عبد الوهاب النائب , وهبة الدين الشهرستاني , ومحمود شكري الالوسي علماء دين ورجال لغة , وسليمان فيضي , ومحمود احمد السيد , وسواهما قصصيون وروائيون , وروفائيل بطي ونوري ثابت وتوفيق السمعاني وسلمان الصفواني صحفيون . وكامل الجادرجي وعبدالقادر البستاني , ومحمد جعفر ابو التمن سياسيون . أما فهمي المدرس (1872-1944) وإبراهيم حلمي العمر (1890-1942) فغلبت المقالة الأدبية والصحفية على نشاطهم الثقافي فهم روادها , وكانت مقالات هؤلاء , بحق, ذات اثر فعال في حياة المجتمع العراقي . وقد حرص البصري على اقتباس نصوص مختارة مما كتبه أولئك الرواد في محاولة منه لإشراك القارئ في العملية النقدية التي مارسها عبر فصول كتابه , والنصوص المختارة لم تكن نماذج أدبية بقدر ما كانت وثائق حية من تاريخ العراق الثقافي
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف وراطها التالي :
wwwallafblogspotcom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين

  كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل  لا ابالغ اذا قلت انه من ال...