الثلاثاء، 10 مايو 2011

الموصل و دورها الحضاري وإسهامات علمائها في نشر العلوم الشرعية ..ندوة كلية العلوم الإسلامية

الموصل و دورها الحضاري وإسهامات علمائها في نشر العلوم الشرعية ..ندوة كلية العلوم الإسلامية







متابعة :ا.د.إبراهيم خليل العلاف


أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل






كلية العلوم الإسلامية ،من الكليات الفتية التي لم يمض على تأسيسها سوى سبع أعوام ، فلقد تأسست سنة 2004 بهدف تهيئة الكوادر العلمية المتخصصة بالدراسات الإسلامية .كما أنها تعمل من خلال الدراسة العلمية المنهجية الرصينة على توكيد قيم الإسلام ومبادئه الأساسية الشاملة ، والإسهام في إعادة بناء الشخصية الإسلامية القوية عبر توثيق الروابط الأخوية بعيدا عن كل أطر التفرقة والعنصرية والطائفية المقيتة، وبما يخدم العراق القوي الموحد السليم .


وقد اعتادت خلال سني عملها ، أن تعقد في كل عام ندوة علمية تكرسها لموضوع من موضوعات تخصصها يسهم في هذه الندوة أساتذة متخصصون ، ويحضرها السيد رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور أبي سعيد الديوه جي وعدد من قيادات الجامعة .وفي يوم 9 مايس الجاري 2011 عقدت ندوتها السابعة بعنوان : " الموصل ودور علمائها في نشر العلوم الشرعية " .وقد ابتدأت الندوة بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بعدها ألقى الأستاذ الدكتور عبد الله الظاهر عميد الكلية كلمة اللجنة التحضيرية تحدث فيها عن الدور الرسالي الإنساني للإسلام ، ونشر العدل وتركيز رايات النور في قارات الأرض . وقال أن علماء الموصل كان لهم القدح المعلى في نشر العلوم ووضع مناهجها في الميادين كافة .


وارتجل السيد العميد قصيدة من نظمه ، بحق الموصل وعلمائها منها :


قف مشوقا وحي ظلا ظليلا


وبدورا تمت وتأبى الافولا


في ربوع الحدباء حييت علما


وحامليه من الرجال العدولا


حي ياصاحبي المعارف فيها


حي تاريخها العريق الاصيلا


كم قطعنا أشواط عمر جميل


رادة أو مانحين الجزيلا


وقرأنا فيما قرأنا رجالا


اتخذوا الحق للحياة دليلا


ومضوا على السبيل عظاما


وأناروا للمدلجين السبيلا


ايها الفاضلون عمتم سلاما


يا جزيتم عن الوفاء الجميلا


ثلة الفضل كنتمو ومضيتم


وجعلتم من الحزون سهولا


وشمختم كأنكم راسيات


أو نخيل وذاك اودى العذولا


يئس الحاقدون منكم لعمري


منع الذل حقدهم أن يزولا


نحن ياسادتي شاكرون ويبقى


كل سيف للحق فينا صقيلا


لم نحد قط عن سبيل هداكم


أثمر الغرس سادة وأصولا


ثم ألقى الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث ومدير مركز الدراسات الإقليمية المحاضرة الافتتاحية وكانت بعنوان " شخصية الموصل ودورها الحضاري " هذا نصها : حمدت الله ، عندما كلفتني كلية العلوم الإسلامية من خلال عميدها الصديق الهمام الأستاذ الدكتور عبد الله الظاهر ،أن أكون المتكلم الأول في نشاطها العلمي هذا ..وقد اخترت الموصل وشخصيتها ، ودورها الحضاري، موضوعا للحديث.. وتلك فرصة لنا لان نقف عند مدينتنا العزيزة ، ومحافظة نينوى لنذكر بوجوب إقالتها من عثرتها ، والارتفاع بها من المستوى الذي وصلت إليه وإعادتها إلى القها الذين عرفناه عنها منذ بدء عصور التاريخ .


والموصل .. إخواني ..أخواتي .. ليست مدينة فحسب إنها حضارة ،وهي تاريخ وتراث وموقف ودور ولقد انتبه إلى ذلك البلدانيون العرب وغيرهم وأكدوا على أن الموصل مصر إقليم الجزيرة ..بلد جليل ..حسن البناء.. طيب الهواء كثير الملوك والمشايخ لا يخلو من إسناد وفقيه مذكور ..هكذا قال عنها شمس الدين أبو عبد الله البناء المقدسي البشاري 390 هجرية -1000 ميلادية ).أما أبو القاسم محمد علي الموصلي البغدادي المعروف ب "ابن حوقل" (367 هجرية -977 ميلادية ) ، فقد وصف الموصل بأنها من أكابر البلدان.. عظيمة الشأن بها لكل جنس من الأسواق الاثنان والأربعة والثلاثة ... . وفيها من الفنادق والمحال والحمامات والرحاب والساحات والعمارات ما دعت إليها سكان البلاد النائية فقطنوها وجذبتهم إليها برخص أسعارها .وعني الموصليون بمدينتهم فشيدوا الأبنية الفخمة وزينوها بزخارف جميلة وغرسوا في دورهم وقصورهم الرياحين والأزهار والأشجار المثمرة .ينساب الماء في جداول إلى برك وأحواض يخرج منها نافورات وبين أشجارها الحيوانات الجميلة وعلى أشجارها الطيور المغردة ووصف السري الرفاه المتوفى سنة 360 هجرية -971 ميلادية مدينته بقصائد جميلة صورت لنا ماكانت عليه الموصل من جمال التنسيق..ودقة الفن .هذه هي الموصل كما أدركتها أنا على الأقل ومجايليي من أبناء مابعد الحرب العالمية الثانية . واستطيع أن أقول أنها كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أجمل وأرقى مما هي عليه الآن بالرغم من مرور أكثر من 50 سنة على تلك الفترة ....إذا لننهض بالموصل ولتتضافر جهودنا من اجل هذا الهدف النبيل .


والموصل مركز محافظة نينوى، مدينة قديمة.. لها تاريخ عريق.وقد ارتبط تاريخها بتاريخ مدينة نينوى، عاصمة الإمبراطورية الأشورية، مدينة يونس صاحب الحوت عليه السلام. ولايتسع هنا المجال للغور في تاريخ الموصل القديم أو الإسلامي وحتى الحديث، فذلك معروف ،ولكن الأمر الذي نود هنا أن نؤكده بان الموصل كمحافظة، وكمدينة، اكتسبت عبر العصور التاريخية "شخصية حضارية". وقد ارتفع شأنها منذ أن تمكن العرب المسلمون من فتحها سنة 16 هجرية/ 637 ميلادية وذلك في عهد خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .


وعظم شأن الموصل منذ ذلك الوقت، وغدت قاعدة بارزة من قواعد العرب والمسلمين فجاهدت وأمدت الجيوش العربية بعدد كبير من قادة الفتح وجنوده .ومنها انطلقت الجيوش لحمل الرسالة الإسلامية لفتح أذربيجان والجزيرة .كما اتخذت مرات عديدة مقرا للإدارة وعاصمة لإقليم الجزيرة ومركزا عسكريا للدفاع عن حدود الدولة الإسلامية الشمالية الشرقية.


ومن الطبيعي، والموصل تتميز بهذا الموقع الجغرافي والاستراتيجي المهم على طريق التجارة وقوافلها . فضلاً عن اعتدال مناخها ،وخصوبة تربتها ،وكثرة قراها ومزارعها أن يكون لها الدور الكبير في كل عصور التاريخ اللاحقة.. وقد زارها الرحالة العرب والأجانب وأشادوا بها وبأهلها . فهذا ابن بطوطة الرحالة المغربي المعروف يصف الموصليين : (( بان لهم مكارم الأخلاق ،ولين كلام، وفضيلة وحب للغريب،وإقبال عليه.(( أما ياقوت الحموي فقال عنهم : ((أنهم أصحاب مروءة واعتدال)).


وعندما جاء العرب فاتحين للموصل وجدوا إخوانهم ومنهم النصارى ،في استقبالهم حتى أن أحياء الموصل ومحلاتها لاتزال تحمل أسماء القبائل التي وفدت إلى الموصل ايامئذ ومنها خزرج ،والأوس، والمشاهدة،وثقيف والخواتنة ،والعكيدات.


وقد حظيت الموصل باهتمام المؤرخين ،ولدينا كتب ومصنفات كثيرة تتناول تاريخ الموصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي سواء في عهد حكومة الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو الحمدانيين أو العقليين أو الاتابكيين أو العثمانيين.


وحين ضعفت الحكومة المركزية ببغداد، أقدم أهل الموصل على تنظيم أنفسهم، وإقامة كيانهم السياسي الخاص بهم . وقد تكرر ذلك مرات عديدة لعل آخرها انفرادهم بحكم أنفسهم بأنفسهم خلال عهد الجليليين وقد استمر ذلك بين سنتي 1726و 1834. وقد تصدت الموصل للغزاة وأسهمت في مقاومة الصليبيين الذين هددوا العالمين العربي والإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري) حتى القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري).


من منا لايتذكر عماد الدين زنكي،ونور الدين زنكي، والجامع النوري الكبير ومنارته الحدباء شاهد على ذلك العصر الذي تحملت الموصل عبره مسؤولية الجهاد ضد التجزئة .. وضد الغزاة الصليبيين القادمين من الغرب والذين هددوا المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ومدينة القدس.. مدينة الإسراء والمعراج .. مدينة السلام.. والموصل هي موطن الحضارات، وحضارة الأشوريين معروفة وإضافتهم للحضارة الإنسانية تقف اليوم لتعلن بان الموصل - نينوى قدمت للإنسانية الكثير ابتداء من الزراعة وانتهاء بالعلوم والرياضيات مروراَ بالعجلة والمعمار.


لقد قاومت الموصل الغزاة المغول 1260م .كما قاومت أيام حصار نادر شاه 1743 م والذي يعد من أبرز الأحداث التي وقعت في العالم الإسلامي خلال القرن الثامن عشر الميلادي.. وقصة دفاع الموصل ، ومقاومة الغزاة الفرس بقيادة الحاج حسين باشا الجليلي (1703-1757) قصة متداولة .وقد فشل نادر شاه في اقتحام المدينة .. ويقول المؤرخون أن حصار الموصل استغرق أربعين يوما بدا يوم 14 أيلول 1743 وانتهى يوم 23 تشرين الأول 1743 . ولم يشهد العالم حصار أية مدينة بمثل تلك القوة (ربع مليون مقاتل) إلا إذا استثنينا حصار نابليون لمدينة موسكو بـ (400) ألف مقاتل.


الموصل إذن تمتلك تاريخا ثرا .. ومقاومتها للغزاة الانكليز في الحرب العالمية الأولى ومابعدها لاتزال شاخصة، وحركتها الوطنية ورجالها الأفذاذ، ودفاعها عن الأرض والعرض يضرب به المثل.لقد كان للموصليين دور مشهود في إقامة الدولة العراقية الحديثة وديمومتها .كما لهم دورهم في تأسيس الجيش العراقي 1920 وقد أسهموا في كل الأحداث التي شهدها العراق وشهدتها البلاد العربية ومنها فلسطين والجزائر وسوريا والخليج العربي بعد الحرب العالمية الأولى .


لم يقبل الموصليون المذلة، ولم يخفضوا رؤوسهم إلا لله عز وجل.. وهم معروفون بأنهم فرديون لكنهم متحضرون .. وعلى وعي كبير بما يحيط بهم من أحداث .. لايصبرون على ضيم.. ولكنهم نظاميون يؤمنون بقيمة النظام ،ولايعطون ولائهم بسرعة ،ولا يميلون للفوضى، ويعتزون بمدينتهم وبالعراق وبتاريخهم ،وتراثهم، وبرجالاتهم الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم من اجل رفعة الوطن والدين والأمة.. وقد امتزجت عقيدتهم الإسلامية بوعيهم القوى بعروبتهم.. ومن هنا فان شخصية الموصل شخصية ذات ثلاث أبعاد،، (بعد وطني) و (بعد عربي) و(بعد إسلامي).. وليس من السهولة لأحد أن يغير في تراتبية هذه الأبعاد.. وهم عراقيون .. اعتزوا بعراقيتهم وظهر ذلك في أكثر من مناسبة.. وقد شهدت ساحتهم السياسية والاجتماعية هذه الحقيقة واضحة في كل المناسبات والأحداث.


دعوة مخلصة ونداء صادق للجميع من أبناء الموصل وأبناء العراق .. أن يتذكروا بان الموصل رأس العراق، والحفاظ على الموصل والعناية بها وبتطويرها ، وإدراك قيمتها الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية مسالة ينبغي أن تكون في مقدمة الاولويات التي تؤخذ بالاعتبار، ونسيج الموصل- نينوى، الاجتماعي المتسم بالتنوع دليل قوة ،ودليل خير، ودليل عافية .ونحن على يقين أن الجميع يعلمون هذه الحقيقة بل ويتصرفون بموجبها .. حفظ الله العراق وأعان أهله، وحفظ الموصل الحدباء أم الربيعين ..أم العلا المحروسة بأذن الله" .






توزعت بحوث الندوة على جلستين ترأس الأولى الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف وتولى مقرريتها الدكتور باسل خلف محمود وقدمت فيها البحوث التالية


1. المساجد في مدينة الموصل ودورها العلمي للأستاذ الدكتور أحمد قاسم الجمعة .


2 .القراءات القرآنية بين الرواية والإسناد للأستاذ الدكتور عادل محمد البكري


3.الجهود الدعوية للشيخ محمد محمود الصواف للدكتور وائل علي النحاس


4.الإجازات الموصلية وأثرها في حركة النهضة العلمية للشيخ فاضل يونس حسين البدراني


5.أثر الخطاب الشعري في الدعوة والإصلاح :ديوان جسر على وادي الرماد الدكتور ذنون يونس مصطفى الاطراقجي أنموذجا للدكتور معن توفيق دحام


6.موارد الحديث ورجاله في مدينة الموصل للدكتور يحيى حسين أحمد


أما الجلسة الثانية فقد ترأسها الأستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة وكان مقررها الدكتور حسين علي احمد وألقيت البحوث التالية :


1.الشيخ العلامة محمد أمين محمد سعيد الملا يوسف للدكتور سارية عبد الوهاب


2.أبو المعقول الشيخ ملا عثمان الجبوري للدكتور عبد المالك سالم عثمان


3.المسائل الأصولية للشيخ محمد ياسين من خلال كتابه :نيل المرام للدكتور يعقوب ناظم السعدي


4.اللواء الركن محمود شيت خطاب وجهوده الدعوية الإسلامية للدكتور حسين علي احمد


5.مجد الدين الحنفي الموصلي للدكتور بشار داؤد العزير


6.جهود الشيخ فيضي الفيضي في الحديث الشريف وعلومه للدكتور زيد ناطق العبيدي


7.مؤلفات الموصليين المخطوطة في مكتبة أوقاف الموصل للدكتور محمد ذنون فتحي


8. الشيخ محمد محمود الصواف مفسرا للدكتورة زهراء خالد سعد الله العبيدي


9. أبو بكر النقاش الموصلي شيوخه وتلاميذه للدكتور عبد الجواد سالم عثمان


10 .الشيخ عبد الله الفيضي سيرة وعطاء للدكتور رأفت لؤي حسين


11. الامام الكواشي الموصلي حياته واثاره للدكتور عمار يونس عبد الرحمن .


12 .القراءات القرآنية ورجالها في الموصل للأستاذ قصي حسين ال فرج .


أعقب إلقاء البحوث نقاش ومداخلات مهمة أغنت الندوة وعمقت من مفاصل بحوثها ووصل المنتدون إلى جلسة الختام التي قدمت فيها التوصيات التي أكدت على أهمية الاستمرار في عقد هكذا ندوات تبرز دور الموصل في علوم التفسير والحديث والقراءات والبلاغة والفقه والأحكام .كما تم التأكيد على أهمية تحقيق المخطوطات المتعلقة بالعلوم الشرعية والتي تزخر بها مكتبات وخزائن الكتب في الموصل .


لقد أكدت البحوث التي ألقيت في الندوة على أصالة الموصل ، ورفعة دورها في ترسيخ العلوم الشرعية وخاصة في مجالات القراءات والحديث الشريف وعلوم اللغة والتفسير وعلوم القران الكريم .نشد على أيدي العاملين في هذه الكلية أساتذة وطلبة وادرايين وندعو لهم بالموفقية خدمة لحركة البحث العلمي في عراقنا العزيز .






هناك تعليق واحد:

  1. استاذي القدير أ.د.ابراهيم العلاف المحترم ان هذه المحاضرة من المحاضرات القيمة التي بينت شخصية الفرد والمجتمع الموصلي من خلال تاريخ هذه المدينة العتيدة وسبق ان قرأت لكم محاضرة اخرى عن الشخصية الموصلية والمنشورة في نشرة اضاءات موصلية الصادرة عن مركز دراسات الموصل والمعنونة ب (الموصل : رؤية تاريخية في شخصيتها العربية الإسلامية) ووظفتها في احد بحوثي في هذه السنة مع التقدير

    ردحذف

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...