الأحد، 18 أغسطس 2013

المؤرخ الدكتور عبد المنعم رشاد 1934-2008 ومكانته العلمية

المؤرخ الدكتور عبد المنعم رشاد 1934-2008 ومكانته العلمية
أ.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
الأستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد، أستاذ جامعي ومؤرخ.. كان له دور فاعل في وضع اللبنات الاولى لجامعة الموصل.. ففي سنة 1967، وعندما تأسست الجامعة شغل منصب عميد هيئة الانسانيات والتي تحولت فيما بعد وأصبحت كلية الاداب.. قبل سنوات عقدت جمعية المؤرخين والآثاريين فرع نينوى جلسة خاصة كرست لتكريم الاستاذ الدكتور عبدالمنعم رشاد، وقد القيت بصفتي انذاك رئيسا للجمعية كلمة بعنوان: (عن موسوعية المؤرخ الدكتور عبدالمنعم رشاد وأهميتها).. وكان لها وقع طيب لدى كل من كان حاضرا ذلك التكريم.. وفي الكلمة قلت عذرا لعبد المنعم رشاد.. لاستاذنا الفاضل في أن أذكره بعيدا عن الرسميات والالقاب العلمية.. فهذه أول مرة إنطق أسمه مجردا من اللقب العلمي.. الدكتور عبد المنعم وساعترف الان، بعد مضي ما يقارب الـ (37) سنة، انني قابلت الدكتور عبد المنعم حين كان عميدا لكلية الاداب وقدمت اليه طلبا للتعيين كمعيد حيث كنت قد تخرجت من كلية التربية ببغداد بدرجة شرف سنة 1967 - 1968.. فوافق ولكن بشرط أن أعمل أولا في مكتبة الكلية الفتية والتي كان يشرف عليها انذاك حسبما اتذكر موظفا واحدا هو السيد امير الرواس، وقد رشح للسفر الى خارج العراق لاكمال دراسته والحصول على الدكتوراه في علم المكتبات. وخرجت من الدكتور عبد المنعم بانطباع حسن.. بخلاف ما كنت اسمع من بعض الذين لايعجبهم الانضباط والالتزام، من انه كان حاد الطبع، ويثور بسرعة ولا يميل الى لغة الحوار.
وبعد هذه الحادثة، التي أجزم بانه لا يتذكرها، ولم اتحدث معه حولها طيلة السنوات الماضية، جئت الى قسم التاريخ بكلية الاداب وعينت فـي
ايلول 1975، مدرسا مساعدا، ثم اختارني القسم مقررا له، وبعدها استاذا
في كلية التربية، وازداد احتكاكي بالدكتور عبد المنعم رشاد وازدادت معرفتي به.. فماذا وجدت ؟ لقد وجدت الدكتور عبد المنعم رشاد انسانا ودودا.. موسوعيا في ثقافته.. لاتكاد تتحدث في موضوع الا وله فيه رأي.. واضافة.. لا اقول اضافة الرجل المثقف بمعنى واسع.. وانما اضافة الانسان المتخصص.. فحين يجري الحديث عن الحياة، الكون، الارض، الازهار، الصناعة، الزراعة، الكتب، السياسة، الجامعات، الاحزاب، فللدكتور عبد المنعم معرفة ممتازة حول كل هذه الشؤون.. انه موسوعي في ثقافته، وشمولي في نظرته،ودقيق في آرائه.. ورصين في حديثه.
ولد الدكتور عبد المنعم رشاد في الموصل سنة 1934 واكمل دراسته الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية فيها ثم سافر الى بغداد والتحق بكلية الاداب، قسم التاريخ، وتخرج منها بعد حصوله على شهادة البكالوريوس سنة 1957. وقد اكمل الدكتوراه في جامعة لندن بالمملكة المتحدة سنة 1963 وعاد الى وطنه وعمل في قسم التاريخ بكلية الاداب، جامعة بغداد ثم نقل الى الموصل بعد انشاء جامعتها او قبل ذلك بقليل واصبح سنة 1967 عميدا لهيئة الانسانيات. وكانت رسالته للدكتوراه بعنوان :(الخلافة العباسية 575- 656 هجرية- 1285 ميلادية.)
ألف عددا من الكتب مع زملائه، ومن هذه الكتب (الاسلام في شرق جنوب آسيا) و (تاريخ الدولة العباسية في عصورها المتأخرة).. كما نشر العديد من البحوث في المجلات ومن بحوثه احتلال المغول لبغداد، وقصة مقتل آخر الخلفاء العباسيين، والرعب الذي احدثه الغزو المغولي.. وشارك في اعداد موسوعات مهمة ابرزها موسوعة (حضارة العراق) بـ (13) مجلداً وموسوعة الموصل الحضارية بـ (5) مجلدات.. وقد اشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير واطروحات الدكتوراه وحضر ندوات ومؤتمرات خارج وداخل العراق.. وتفرغ سنة 1974 علميا في جامعة كارديف بانكلترا.. ترأس جمعية المؤرخين والاثاريين فرع نينوى لسنوات.. وصار عضوا في مجلس جامعة الموصل ورئيسا لتحرير مجلات علمية اكاديمية كثيرة ولفترات طويلة، مثل مجلة أداب الرافدين التي تصدرها كلية الاداب بجامعة الموصل وله اسهام فاعل في انشاء المركز الوطني لحفظ الوثائق (دار الكتب والوثائق) في الستينات من القرن الماضي ببغداد وكان أول ألامر تابعا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ثم اصبح تابعا لوزارة الثقافة وعلى يديه واثنين من زملائه وهما الاستاذ الدكتور ياسين عبد الكريم رحمه الله والاستاذ الدكتور عبد الامير محمد امين بني المركز والذي ضم عند تأسيسه وثائق البلاط الملكي التي اكتشفت بعد سقوط النظام الملكي في 14 تموز 1958 وتأسيس جمهورية العراق. وكانت هذه الوثائق نواة المجاميع الارشيفية النادرة التي لاتزال دار الكتب والوثائق ببغداد تتحفظ عليها.
التاريخ عند الدكتور عبد المنعم رشاد، تاريخ واحد، فهو حركة الحياة.. فليس ثمة فوارق وحدود فاصلة بين التاريخ القديم والتاريخ الاسلامي والحديث.. لذلك فهو ينظر الى الحدث التاريخي بكل ابعاده.. ويدعو طلابه الى ان يتعمقوا في فهم التاريخ واكتشاف بواطنه. وقد اهتم الدكتور عبد المنعم رشاد بالفترة المظلمة وهي الفترة الواقعة بين سقوط بغداد على يد المغول سنة 1258 وسيطرة العثمانيين على بغداد سنة 1534م وقد عمل على تدريب عدد من طلابه للكتابة حول هذه الفترة والاهتمام بها وبمصادرها.. كان الاستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد وطني.. عميق الشعور بوطنيته.. موصلي عميق الاحساس بموصليته.. عربي.. عميق الشعور بقوميته.. انساني عميق الشعور بانسانيته.. ليس منغلقا على نفسه.. نوافذه مفتوحة.. بل هو نافذة طلابه وزملائه على العالم.. فطالما حرص على نقل تجربته الرائعة والغنية في بلاد الغرب وتحدث عنها.. حديث العارف الناقد الذي خبر الحياة هناك وسبر غور بواطنها.. وليس حديث الذي ذهب الى هناك.. ليدخل من باب ويخرج من آخر.. دون ان تترك تجربة الغرب عليه وعلى سلوكه وثقافته أي اثر..
في يوم الاربعاء الثالث والعشرين من نيسان 2008، رحل الاستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد بعد معاناة مع الالم بسبب فقدانه البصر قبل رحيله بسنتين تقريبا وبالرغم من هذا العارض، فقد كنت أراه في كلية الاداب، وهو بين طلبته يوجه هذا ويناقش ذاك ويقترح على اخر موضوعا للدكتوراه فيكبر في نظري واحس بعظمته وبروحه المعنوية .لقد مات عبد المنعم وهو واقف كنخلة العراق التي لاتنحني رغم صروف الحياة .الرحمة لك ياعبد المنعم وجزاك الله خيرا على ماقدمت لوطنك وامتك .
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...