الجمعة، 27 سبتمبر 2013

و مدُّ ذي النعمةِ .. مَوفورُهُ ## ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بقلم :ا.د. عبد الوهاب العدواني استاذ متمرس -جامعة الموصل

## و مدُّ ذي النعمةِ .. مَوفورُهُ ##
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بقلم :ا.د. عبد الوهاب العدواني 
استاذ متمرس -جامعة الموصل

في مكاتبة جميلة قالت لي فيها الشقيقة في ( علم اللغة العربية ) الشاعرة الكبيرة الاستاذة الدكتورة ( بشرى البستاني ) : (( اخي .... الغالي : تلك صفحات من ( الودِّ ) علينا الاستضاءة بها في عتمة ( المحنة ) ، لم يبقَ خلاصاً غيرُ ( الحبِّ ) ، نتوضأ بأنواره ، و نحتمي بدفئه من غائلة الحقد و الكراهية و أصابع ( الموت ) المخيّم على حدائقنا ... )) ، قالت هذا ، ونحن نعيش محنة ( الاساتذة المتمرسين ) في الجامعات ، و قد أُوقع عليهم قرار عجيب ، لا قُوام له من مراعاة صحيحة لمنقبة ( التكريم ) باللقب الذي أُسبِغ عليهم ، فإذا به يستحيل ( تغريماً ) لهم من شخصياتهم و معارفهم ، و من المأمول الكبير منهم بعد ( التقاعد ) ، و ذلكم بمنعهم من ( التدريس و الاشراف ) في حقل الدراسات العليا ، ربما لان ( احداً) قد وهم في نفسه أنه مانحهم ( الأرزاق ) من ذات يده ، و كأن رب ( الارزاق ) الحق لا يهدي (النملة) الى رزقها على الصخرة الجرداء ، و القضية في حقيقتها ليست طلباً لرزقٍِ جديد ، بمقدار كونها طلباً للاحساس بأن ( التقاعد ) ليس اول ( الأجلين) في حياة (الاستاذ الكبير) ذي التاريخ و التجربة و الضلاعة العلمية في اختصاصه ، و غير ذلك مما يشهد به ( القاصي ) عنه ، و يعرفُهُ ( الداني المنصفُ ) ، لا غيره ، و ما أكثر هذا ( الغير ) في الحياتين العامة و العلمية .
فلما استحال : ( التكريم ) : ( تغريماً ) كالذي و صفته آنفاً ، فلا مانع من الوقوف عند هذه ( الحالة ) للكلام عليها باقتصاد ذي نفحةٍ ادبية ، استهلّه باستذكار لبيتي ( السري الرفّاء ) شاعر مدينتنا هذه في عهدها الحمداني ، و كنت قد حفظتهما قبل ( خمسين ) سنة ، إبّانَ قراءتي لديوان ( الشاعر ) على الوالد - رحمه الله - في مكتبة البيت :

قد كانت الإبرةُ في ما مضى
صائنةً وجهي .. و أشـــعاري
فأصبحَ الرزقُ بها ضيّــــــــقاً
كأنّهُ من ثُقبِها جـــــــــــاري

أجل .. لقد أستذكرت هذين البيتين ، لأبني عليهما لما فيهما من ( الإرهاص) بقوة الانفلات من ( تعليب الذات ) ، اعني : و ضع ( الانسان ) نفسَهُ و قدراته في علبة صغيرة ، او قبوله ان يضعه ( الآخر ) في تلك العلبة ، و كأن فضاء (الخدمة الشريفة ) غير مفتوح على مصراعيه هنا .. او هناك ، وعلى هذا فلا معنى للإخلاد الى الارض ، حتى يكون التعامل مع ( القرار ) المشار اليه قبل قليل بالاستسلام له ، و اقول تبعا لهذا : هبْ - أيها المتصور الكريم : أن طلبي ( الرزق الجديد و ديمومة الاحساس بالوجود العلمي في الحياة ) بعد التقاعد هما ( القوتان المحركتان ) لكتابة هذا ( المنشور الثقافي ) ، أفي هذا ما يعيب ( رجالاً ) لا يسرقون ، و لا يغشون ، و لا يستحوذون على فرص الاخرين في العمل العلمي ، ولا يشحذون بدافع من فاقة او جوع ، و لا .... و لا .... ولا .... الى اخره ؟ ! .
ومن اجل هذا ( الفكر ) فقد بدا لي أن أُجيز بيتي ( السري الرفّاء ) بقصيدتي هذه ، لاحساسي بان ( الاساتذة المتمرسين ) في الجامعات ( سُراة ) مثله في العلم و الفضل ، و من حقوقهم الا يجدوا من يعتدي عليهم اعتداء غير مفهوم ، و لكوني لا أُريدُ النيابةَ عنهم بهذه ( القصيدة ) ، فقد كتبتها مقدرةً ( اجتماعياً و فكرياً و خلقياً ) بقدري الخاص ، و مفهوم ( الاجازة الشعرية ) لدى اهل اللغة و الادب و العروض و النقد ان ينحو ( الشاعر ) منحى( الشاعر ) في وزن ابياته و قافيتها ، و ياتي بأفكاره مؤسسةً على ( سر خفي ) يكون (السلك الجامع) بين المنظومتين السابقة و اللاحقة ، و هذا هو قولي :

العبدُ .. لا يحرِمُهُ صِنـــــــوهُ
مادام في جيرة جبــّـــــــــارِ
فربُّهُ .. جابرُ ما كسّــــــــروا
و الرزقُ مكتوبٌ بمقـــــــــدارِ
ما زادَ .. أو قلَ .. فذي حكمةٌ
لا شُغلَ لي بالطالبِ الثــــارِ
أرزاقُنا قصدٌ .. و لكننــــــــــا
اصحابُ اقلامٍ و احبـــــــــــارِ
ما اختارهُ .. يأسفُ منهُ الأُلى
ما عِندَهم أُمنوحةُ البــــــاري
هذا .. أنا و الشِعرُ ذا صاحبي
و كهفُ إسراري .. و إظهاري
تحفِزُني فيهِ أباطيلُهــــــــم
فألتقي البُطْلَ بأسمــــــارِي
لطالما كانَ الصديقَ الـــــذي
أجعلُهُ برديَ في النـــــــــــارِ
فليسمعوا منهُ مقالي لهــم
: ما دامتِ الدنيا لحفّـــــــــارِ
أُعطيكُمُ شكري لأفضالكــــم
اترُكُها تِركةَ مُختــــــــــــــــارِ
قد كُنتُ ( أُستاذاً ) فكرّمتُــــهُ
بصونِ أذكاري .. و أخبــــــاري
كرّمتُ ذاتَ(العلمِ)في خاطري
و قُلتُ : يا صُحبةَ مِضمــــاري
مُراغَمي في الارضِ لا ينتهي
لأنني من نسلِ أحــــــــــرارِ
فألفُ بابٍ قادمٍ .. قـــــــــادمٌ
يصيحُ : يا كوكبَنا الســـــاري
هلّا نزلتَ الدارَ .. إنّ الـــــذي
تمنحُهُ .. زُبدةُ أفكـــــــــــــارِ
جمّت عطاياكَ .. و آثارُهــــــا
و الجهلُ .. قنطارٌ بدينــــــــارِ
نحنُ الأُلى نعرفُ ما عِندَكــم
ما عِندكم .. ثروةُ بحّـــــــــارِ
كم جابَها الماهِرُ في غوصِـهِ
حتى تُرى ألوانَ أحجـــــــــارِ
كرائِمُ الأحجارِ معروفـــــــــةٌ
يا خيرَ نقّادٍ بمنظــــــــــــــارِ
ما أنتَ شحّاذٌ .. و لا جائِــــعٌ
و لستَ في المسعى بِخوّارِ
و مدُ ذي النِعمةِ .. مَوفـــورُهُ
أطيبُ من لُقمةِ قتّــــــــــــارِ
لو أطعمَ النملةَ من كــــــدِّهِ
لماتت النملةُ من عـــــــــارِ
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين

  كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل  لا ابالغ اذا قلت انه من ال...