الأحد، 26 يوليو 2015

عانة وراوه : قصة مدينتين ابراهيم العلاف

عانة وراوه : قصة مدينتين
ابراهيم العلاف
وأنا اقلب صفحات مجلة "التضامن " اللندنية العدد ا63 السنة 4 30-5-1986 ، وجدتُ تحقيقا جميلا كتبه الصحفي الاستاذ ابراهيم البرجاوي من عانه وراوه .والتحقيق بعنوان :"مدن عربية :" التضامن " تزور أحدث مدينتين في العالم :الفرات يغسل وجه "عانه" ونصف " راوه " تحت الماء ..شركة فرنسية بنت عانه وراه بمائة مليون دينار والحكومة العراقية أعطت لكل صاحب دار قروض لمدة 25 عاما .
ومما جاء في التقرير :" على الرغم من ان العراق يخوض منذ سنوات ست حربا ضارية وشرسة ومكلفة بشريا وماديا .. الا انه لم يتوقف عن المضي في خططه الانمائية وتنفيذها كلها كاملة .ولعل من أهم هذه الخطط مشروع سد القادسية في حديثة (سد حديثة ) الذي انجز بناؤه في الشكال الغربي من البلاد على مجرى نهر الفرات ليكون بحيرة تدفع مياه الفرات الى ارتفاع على سطح البحر يصل في اقصاه الى 150 مترا مما سيؤدي الى ارواء اراض شاسعة على ضفتي النهر من مجراه في غرب العراق الى ضعفها على الاقل وقد بلغت تكاليف هذا المشروع الكبير الذي بدأ العمل فيه العام 1982 بخبرة سوفياتية حوالي مليار دينار عراقي (انجزعام 1986 ) .
ولكن ارتفاع مياه الفرات بعد انشاء السد وتكوين البحيرة ادى الى ردم 57 قرية صغيرة تقع على ضفاف النهر وقد سويت مشكلتها بإنشاء ثمانية تجمعات سكنية جديدة لهذه القرى تضم كل وحدة منها 300 الى 400 دار وبقيت مشكلة مدينتين عريقتين بتاريخهما هما :عانه وراوه .
ويمضي التحقيق ليقول كاتبه ان المياه ستغمر الاولى كلها .. وبعض الثانية وليس من السهل تناسي تاريخ مدينتين تمتد اصولهما الى اعماق الحضارة البشرية المعروفة ولا التغاضي عن تعلق الاهالي بمدينتيهما وتقالدهما العريقة وعانه التي تمتد على شريط طويل ضيق على ضفاف الفرات عرفت الحضارة منذ ان كانت في المهد وبساتينها اشتهرت بأطيب انواع الفاكهة وارضها الخصبة التربة والشواهد على الاصالة ومنها المنارة المشهورة بأسم "منارة عانه " .
أما راوه ؛ فهي وان كانت ليست كلها على ضفاف النهر .. الا ان جزءا كبيرا منها يرتفع الى قمة الجبل ونجا من الغرق .ولسنا بحاجة الى القول ان عانه وراه انجبتا العديد من الرموز المشهود لهم في كل مجالات الحياة ومعظمهم يحمل اسماء منسوبة الى مدينتيهما كالعاني والراوي .لذلك لم يكن من السهل على قادة البلاد التضحية بمدينة عانه كلها وبجزء من راوه ولم يكن أمامهم بديل اخر ؛ فمكان السد والبحيرة حددته مواصفات خبراء عالميين إفترضتها طبيعة الارض ومجرى النهر وضرورات إرواء اكبر قدر ممكن من الاراضي .. وقد اهتم رئيس الجمهورية الاسبق بالامر فزار المنطقة عام 1980 ثم في عام 1982 والتقى بأهالي المدينتين وحاورهم واقنعهم بالمصلحة العليا وكان خيارهم الانتقال الى مكان آخر عاينوه بأنفسهم فكانت " عانه الجديدة " على سهل يبعد حوالي عشرين كلم عن مدينتهم الغارقة وكانت راوه الجديدة امتدادا ل"راوه القديمة " الباقية في ثلاثة أرباعها من دون غرق واعطت الحكومة لكل صاحب دار تعويض قدره حوالي عشرة الاف دينار (في ذلك الزمان )، وزود بقروض تسدد على مدى 25 عاما من دون فوائد .
يقول التحقيق : وبذلك ولدت مدينتان جديدتان بنتهما شركة فرنسية متخصصة اسمها شركة " ساي SAE " بتكلفة قدرها مائة مليون دينار .. وقد روعي في المدينتين الخصائص العربية الاسلامية التي تتناسب مع عادات وتقاليد أهاليهما وكانت النتيجة تحفتين معماريتين تمثلتا بأحدث مدينتين في العالم فيهما كل مستلزمات الحياة العصرية من دون أن ينال ذلك من أصالتهما التاريخية وفي نيسان 1986 بدأت عملية انتقال اهالي " عانه" و" راوه " الى مدينتيهما الجديدتين فسكنت كل دور راوه و1512 دارا في عانه .
تحقيق جميل اتساءل في نهايته ما عدد السدود التي بناها من جاء بعد الاحتلال الاميركي للعراق 2003 ونحن الان في سنة 2015 ؟ وما عدد المدن التي بنوها ؟ لاشيء سوى الخراب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...